ما هي رقابة الدولة، ولماذا هي ضرورية لوجود مجتمع حرّ وديمقراطي، كيف تطورت الرقابة في إسرائيل - وكيف يمكن لمراقب الدولة أن يساعدك في دوره كمفوّض لشكاوى الجمهور
ركيزة أساسية في الديمقراطية
تُعد رقابة الدولة ركيزة أساسية في النظام الديمقراطي الحديث. الرقابة الفعالة على السلطات الحكومية تضمن وجود مجتمع حرّ وديمقراطي.
بعد الحرب العالمية الثانية، ومع تبني المزيد من الدول لنموذج دولة الرفاه وتوسيع الخدمات العامة المقدمة لمواطنيها، أصبحت الإدارة العامة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين. استفاد المواطنون من الخدمات العامّة الواسعة التي شملت، على سبيل المثال، مجال التعليم، الصحة، والأمان الوظيفي للجميع. ومع ذلك، لتنفيذ هذه الخدمات، طوّرت الدول آليات بيروقراطية متزايدة. وعلى الرغم من أن هذه الآليات تهدف إلى خدمة المواطنين وضمان حقوقهم، فإن السلطة الواسعة التي تتمتع بها قد تؤدي إلى إساءة استخدام النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية، أو استخدام غير فعال للموارد العامة، أو انتهاك حقوق الأفراد والمصلحة العامة.
لمواجهة هذه المخاطر، تعتمد الدول الحديثة أنظمة رقابية تُفرض على السلطات الإدارية. تقوم رقابة الدولة بفحص ما إذا كانت المؤسسات العامة تعمل وفقًا للقانون، بما في ذلك الحفاظ على النزاهة، حماية حقوق الأفراد، الإدارة السليمة، الكفاءة، والاقتصاد في استخدام الموارد.
رقابة مستقلة، حرة وفعّالة
تعتبر رقابة الدولة من المعايير الأساسية لقوة الديمقراطية في أيّ دولة. وجود رقابة خارجية على الهيئات الخاضعة للرقابة ونشر نتائج الرقابة علنًا يجسد مبدأ مهمًا وهو أنّ موظفي الدولة في نظام ديمقراطي هم بمثابة خادمي الشعب وعليهم تقديم الخدمة لكلّ فرد منا. الرقابة تُسهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية لدى موظفي الدولة (accountability) وتساعد في زيادة شفافية الإدارة العامة.
في معظم الدول الديمقراطية، يوجد مؤسسة رقابة عليا مستقلة (SAI - Supreme Audit Institution) تتمثل مهمتها في مراقبة الإدارة الحكومية والهيئات العامة الأخرى وتقييم أدائها. تم تنظيم المبادئ الأساسية لعمل هذه المؤسسات في إعلان ليما لعام 1977 وإعلان المكسيك لعام 2007، والتي تم تبنيها من قبل المنظمة الدولية للأجھزة العليا للرقابة (INTOSAI).
تؤكد هذه التصريحات على استقلالية وحصانة مراقبي الدولة، وتحدد أن الرقابة تحتاج إلى حرية عمل واسعة وصلاحيات لإصدار تعليمات لإصلاح النواقص ونشر نتائج مسار الرقابية علنًا.
لكي تكون الرقابة فعّالة، يجب تزويد موظفي الرقابة بالموارد اللازمة والاستقلالية الإدارية والمالية. كما يجب على الهيئات الخاضعة للرقابة تقديم جميع المعلومات والوثائق المطلوبة للقيّمين على إجراءات الرقابة بهدف تنفيذ عملهم على أكمل وجه.
رقابة الدولة في إسرائيل
أيقنت دولة إسرائيل أهمية رقابة الدولة منذ تأسيسها، وكان مكتب مراقب الدولة من أوائل المؤسسات التي أُنشئت بعد قيام الدولة. قانون مراقب الدولة، الذي أقرّته الكنيست في 18 مايو 1949، منح المراقب صلاحيات واسعة من حيث أنواع الهيئات التي تخضع لرقابته ومن حيث نطاق وعمق الرقابة.
تمّ تحديث عدة مرات (وفي عام 1958، تم دمج التعديلات مع القانون الأصلي في نصّ موحّد) لتوسيع صلاحيات المراقب. على سبيل المثال، في عام 1981، تم إقرار التعديل رقم 11 على هذا القانون، والذي منح مراقب الدولة، باعتباره مفوّضًا لشكاوى الجمهور، الأدوات اللازمة لحماية الموظفين الذين يكشفون عن أعمال فساد.
تضمّن قانون مراقب الدولة في نصّه الأصلي عنصرين: الأول هو الرقابة بالمعنى المتّبع والمتعارف عليه – مراقبة القانون والنظام، والعنصر الثاني هو مراقبة الاقتصاد والكفاءة.
مع مرور الوقت، منحت الكنيست مراقب الدولة صلاحيات إضافية: مراقبة نزاهة السلوك (في عام 1952) وفعالية أنشطة الهيئات الخاضعة للرقابة؛ مراقبة حسابات الكتل في الكنيست (في عام 1973)؛ مراقبة الحسابات الجارية للمرشحين في الانتخابات التمهيدية للأحزاب (في عام 1992)؛ مراقبة حسابات المرشحين والكتل في الانتخابات المحلية (في عام 1993). في الوقت ذاته، توسعت مجالات الرقابة لتشمل هيئات إضافية، مثل الشركات الحكومية، الشركات الفرعية للهيئات الخاضعة للرقابة، المؤسسات التعليمية، صناديق المرضى، وغيرها.
في فبراير 1988، صادقت الكنيست على قانون أساس: مراقب الدولة، الذي عزز المكانة الدستورية لمراقب الدولة ومفوّض شكاوى الجمهور، وحدد نطاق صلاحياته، كما نصّ على نطاق الرقابة التي يجب عليه القيام بها والهيئات الخاضعة لرقابته. كما يحدد قانون الأساس واجب الهيئات الخاضعة للرقابة في تقديم جميع المعلومات المطلوبة للمراقب دون تأخير لأغراض الرقابة.
مفوّض شكاوى الجمهور: عنوانك أمام السلطات
منذ عام 1971، يشغل مراقب الدولة أيضًا منصب مفوّض شكاوى الجمهور، وهو العنوان الذي يمكن لأي شخص التوجّه إليه لتقديم شكوى في حال تعرّضه للإساءة أو الضرر من قِبل هيئة حكومية أو عامة معينة محددة بالقانون (هيئة مشتكَى عليها). تم ترسيخ دور المراقب كمفوّض لشكاوى الجمهور في قانون أساس: مراقب الدولة.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يشغل فيها مراقب الدولة أيضًا منصب مفوّض شكاوى الجمهور، ولهذا الدمج الفريد العديد من الفوائد. في دوره الأول، يقوم مراقب الدولة بمبادرة الرقابة على الهيئات العامة للتأكد من أنها تعمل بشكل صحيح، وفي دوره الثاني كمفوّض لشكاوى الجمهور، يقوم بالنظر في الشكاوى المتعلقة بانتهاك حقوق الأفراد من قبل تلك المؤسسات.
غالبًا ما تؤدي تراكم الشكاوى حول نقص معين إلى إجراء مراجعة استباقية وفحص المشكلة من منظور أوسع، مما يتيح حلًا لا يفيد فقط المشتكي الفردي، بل أيضًا الجمهور بأكمله. بالإضافة إلى ذلك، تستفيد مفوّضية شكاوى الجمهور من المعلومات التي تمتلكها وحدات الرقابة في مسار التحقّق من الشكاوى.